قسطنطين وعيد النيروز في كتاب نزهة الأمم لابن إياس
قسطنطين الملك :
1 - هو ابن قسطنطين الأكبر وهو أول من ثبت دين النصرانية وأمر بقطع الأوثان وهدم هياكلها وآمن بدين المسيح .
2 - كان فى أول أمره على دين المجوس ، وسبب رجوعه إلي دين النصرانية أنه ابتلى بجذام وظهر عليه فاغتم لذلك غما شديدا وأجمع الحداق من الأطباء فاتفقوا على أدوية دبروها له وأوجبوا أن ينفع تلك الأدوية فى صهريج مملوء من دم أطفال رضع ساعة يسيل منهم .
3 - فتقدم بجمع جملة من أطفال الناس وأمر بذبحهم فى تلك الصهريج ،جمعت له سائر أطفال وبرز ليمضى فيهم من أمر الذبح فسمع صحيح النساء على أولادهن فعند ذلك عطف عليهن وأمر بدفع كل طفل إلى أمه وقال احتمال علتى أولي بى من إهلاك هذه الأطفال العظيمة ، فانصرفن النساء بأولادهن وقد سررت بذلك سرورا عظيما .
4 - ولما كانت تلك الليلة ونام الملك رأى فى منامه شيخا يقول له إنك قد رحمت الأطفال ورأيت احتمال علتك أولى من ذبحهم فرحمك الله بذلك ووهبك العافية فإذا أصبحت أرسل خلف رجل يقال له شلبشتر وقد فر منك خوفا ، فإذا حضر إلى عندك أسمع منه جميع ما يأمرك به وإنتهى جميع ما ينهاك عنه فتتم لك العافية .
5 - فانتبه عند ذلك مذعورا وبعث فى طلب ذلك الرجل وكان من عباد النصارى فأتى به وهو يظن أنه يريد قتله لما يعهد منه من بغضه للنصارى فعند ما رآه تلقاه وأعلمه بما رآه فى منامه فعند ذلك أمره شلبشتر أن يتدين بدين النصرانية وجرى بينه وبين ذلك الراهب شلبشتر مباحث عظيمة .
6 - ثم أن قسطنطين تدين بدين النصرانية وشفاه الله من الجذام الذى كان به ورحل من الأرض التى كان بها وترك ملة المجوس وبنى مدينة القسطنطينية بنيانا جليلا فعرفت به وسكنها وصارت من حينئذ تحت الملك من بعده .
7 - ولما سكن قسطنطين فى تلك المدينة جمع أهل دين المسيح من بعد ما كانوا مشتتين فى البلاد على زمان نيرون الملك الذى قتل الحواريين وكان دين النصرانية فحزى فى زمانه فعند ذلك أظهر دين النصرانية واذل عباد الأوثان.
8 - فشق ذلك علي أهل روما وخلعوا عن طاعته وقدموا عليهم ملكا غيره وجرى بينه وبينهم حروبا كثيرة وظفر بهم وقتل منهم وسبا خلقا كثيرة.
9 - فلما مضى ملكه عشرين سنة رأى قسطنطين فى منامه كان بنودا شبه الصليب قد رفعت وقائل يقول له أن أردت أن تظفر عن خالفك فاجعل هذه العلامات على جميع أوانيك وفرسك .
10 - فلما انتبه أمر بتجز أمه هيلانة إلى بيت المقدس فى طلب آثار المسيح ، فسارت أمه إلى بيت المقدس وسألت عن قبر المسيح فدلها عليه مقارنوس.
11 - وإذا على القبر ثلاث خشبات علي شكل الصليب وهى التى صلب عليها المسيح وقص عليها منقريوس ما عمله به اليهود .
12 - فزعموا أنهم ألقوا الثلاث خشبات على ثلاث أموات فقاموا الثلاثة أحياء عندما وضعت عليهم تلك الأخشاب ( بحسب روايه إبن إياس في كتابه ).
13 - فأتخذوا ذلك اليوم عيدا وسموه عيد الصليب وكان فى السابع عشر من توت ، وذلك بعد ولادة المسيح بثلاثمائة وعشرين سنة.
14 - ثم جعلت هيلانة أم الملك قسطنطين لتلك الأخشاب علوفا من الذهب.
15 - وقيل ان الملكة هيلانه هى التى بنت كنيسة القيامة ببيت المقدس على مكان قبر المسيح .
16 - ثم انصرفت إلى ابنها ومعها تلك الأخشاب الذى قيل صلب عليهم المسيح.
17 - وما زال قسطنطين ملك على الروم حتى مات وملك بعده ابنه قسطنطين الأصغر .
18 - وقد كان الصليب
بمصر موسم عظيم تخرج إليه سائر الناس إلى بنى وائل بظاهر القاهرة ويتظاهرون فى ذلك
اليوم بالمنكرات من أنواع المحرمات ويخرجوا فيه عن الحد.
النوروز :
1 - هو أول السنة القبطية وهو أول يوم من توت.
2 - سنتهم فيه أشعال النيران والرش بالماء ، وكان من مواسم المصريين قديما وحديثا.
3 - قال الحافظ أبو الحافظ أبو القاسم على بن عساكر فى
تاريخ دمشق من حديث ابن عباس رضى الله عنه قال أن فرعون لما قال للملأ من قومه أن
هذا الساحر عليهم ، وقالوا له ابعث إلى السحرة ، فقال فرعون لموسى يا موسى اجعل
بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت فتجمع أنت وهارون وتجتمع السحرة ، فقال
موسى موعدكم يوم الزينة.
4 - قال ووافق ذلك يوم السبت فى أول يوم من السنة وهو يوم النوروز .
5 - ويقال أول من
أحدثه جمر شيد أحد ملوك الفرس وكان قد ملك الأقاليم السبعة فلما تكمل ملكه ولم يبق
له عدو أتخذ ذلك اليوم عيدا وسماه نوروزا أى اليوم الجديد.
6 - وقيل إن سليمان بن داود عليه السلام أول من وضعه وهو اليوم الذى رجع إليه فيه خاتمه.
7 - وقيل هو اليوم الذى شفى فيه أيوب عليه السلام فجعل ذلك اليوم عيدا وسنوا فيه رش الماء .
8 - ويقال كان بالشام سبط من بنى إسرائيل أصابهم الطاعون فخرجوا إلى العراق فبلغ ملك العجم فأمر أن بنى عليهم حظيرة ويجعلون فيها ، فلما صاروا فيها ماتو جميعا وكانوا أربعة آلاف رجل ، ثم أن الله أوحى إلى نبى ذلك الزمان أذهب إلى بلاد كذا وكذا فحارب سبط بنى فلان فقال يا رب وكيف أحاربهم وقد ماتوا فأوحى الله إليه إنى أحيهم لك فأمطر الله عليهم فى تلك الليلة وهم فى الحظيرة فأصبحوا أحياء فرفع أمرهم إلى ملك فارس. فقال تبركوا بهذا اليوم ورشوا بعضكم بعضا فيه بالماء وكان ذلك اليوم يوم النوروز فصارت سنة إلى هذا اليوم.
9 -وقال على بن حمزة الأصفهانى فى كتاب أعياد الفرس أن أول من أتخذ النوروز جمشيد . وقيل جمشيد أحد ملوك الفرس الأول ومعنى النوروز وهو اليوم الجديد .
10 - والنوروز
عند الفرس يكون يوم الأعتدال الربيعى كما أن المهرجان أول الأعتدال الخريفى
ويزعمون أن النوروز أقدم من المهرجان ويقولون أن المهرجان كان فى أيام أفريدون
وأنه أول من عمله وذلك لما قتل الضحاك وهو بيورانيب فجعل يوم قتله عيدا وسماه
المهرجان ، وكان حدوثه بعد النوروز بألفى سنة.
11 - وقال ابن وصيف شاه فى ذكر منادش بن منقاوش أحد ملوك القبط فى الدهر القديم
وهو أول من عمل النوروز بمصر وكانوا يقيمون سبعة أيام يأكلون ويشربون إكراما
للكواكب السبعة.
12 - وقال ابن رضوان : ولما كان النيل هو السبب الأعظم فى عمارة أرض مصر رأى بعض
ملوك مصر أن يجعل أول السنة أول الخريف عند استكمال النيل فجعل أول شهورهم توت
بابه على ترتيب الشهور القبطية.
13 - وقال ابن زولاق : وفى هذه السنة يعنى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة منع أمير
المؤمنين المعز لدين الله من وقود النيران ليلة النيروز فى السكك ، ومن صب الماء
يوم النوروز ورأى من فعل ذلك فضربوا وطيف بهم على الجمال.
14 - وقال ابن المأمون في تاريخه وحل موسم النوروز فى اليوم التاسع من رجب سنة
سبع عشرة وخمسمائة وكان يحتمل فى يوم النوروز لأكابر مصر من القبط وغيرهم من أصناف
البطيخ والرمان وتمرا جين الموز وأفراد البر وأقفاس الثمر القوس ومشتاب السفر جل
وقدور الهريسة المعمولة من لحم الدجاج ولحم الضأن ولحم البقر من كل لون قدره ومعهم
بطط الجلاب وغير ذلك.
15 - وقال القاضى الفاضل فى متجددات سنة أربع وثمانين وخمسمائة ، ولما كان يوم النوروز وهو مستهل توت أول السنة القبطية وكان فى الأيام الماضية والدول الخالية من أجل المواسم بمصر فى اللهو والخلاعة وارتكاب المحرمات وأظهار الفواحش وغير ذلك.
16 - وكان يركب فيه شخص من الخلعة يسمونه أمير النوروز ومعه جمع كبير ويتسلطوا على الناس والأكابر أى رسم ويرسم أميرهم على دور الأكابر ويكتب مناشير على أرباب الدولة بحسب ما يختار من الجمل الكبار .
17 - ومن امنتع من الأعطاء بهدلوه ويسبوه ولا يزالوا مترسمين حتى يأخذوا معلومهم المقرر على أكابر الدولة فى كل سنة.
18 - وكانت المونثون والفساق يجتمعون تحت قصر اللؤلؤة بحيث يشاهدهم الخليفة وبأيديهم الملاهى .
19 - وترتفع الأصوات بالغنى ويشربون الخمر والمزر شربنا ظاهرا ولا ينكر عليهم ذلك فى هذا اليوم وكانوا يتراششون بالماء والخمر وبالماء الممزوج بالأقدار.
20 - وأن غلط راببس
وخرج من داره فى ذلك اليوم شوشوا عليه وأفسدوا ثيابه واستخفوا بحر منه ، فإما يغدى
نفسه منهم بشىء وإلا بهدلوه ولم يزل الحال على ذلك بطول النهار من رش الماء وإفساد
ثياب الناس.
21 - وقال القاضى الفاضل أيضا فى متجددات سنة أثنين وتسعين وخمسمائة وجرى الأمر فى يوم النوروز على العادة من رش الماء وقد استحدثوا فى هذا العام التراجم بالبيض والتصافع بالأنطاع وانقطعوا الناس فى ذلك اليوم عن الخروج من دورهم وكل من ظفروا به فى الطريق طرشوه بماء نجس وصفعوه بذلك الأنطاع
22 - ولم يزل يوم النوروز يعمل فيه ما ذكراه من الرش بالماء والتصافع بالجلود وغير ذلك من الأمور الشنيعة إلى أن كانت سنة سبع وثمانين وسبعمائة وكان يؤمئذ الأمر إلى الأمير الكبير برقوق قبل أن يجلس على سرير الملك ويتسلطن فمنع من اللعب فى يوم النوروز وتهدد من لعبه بالعقوبة .
23 - فأنكفوا الناس عن اللعب من حينئذ وصاروا يعملون بعض شىء من ذلك فى الخلجان والبرك
ونحوها من مواضع النزه بعد ما كانت أسواق القاهرة تتعطل في يوم النوروز من البيع
والشراء ويتعاطى الناس فيه من اللهو واللعب ما يخرجون به عن النوروز وربما كان
يقتل فيه الناس نحو أثنين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك إلى أن بطل على يد الملك الظاهر
برقوق.
تعليقات
إرسال تعليق